من عقل الثورة إلى عقل الدولة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من عقل الثورة إلى عقل الدولة, اليوم الأحد 20 يوليو 2025 12:01 صباحاً

حال دخوله دمشق في الثامن من ديسمبر 2024م، وبعد أن استكان له الأمر برضى ومساندة دولية، ووجد ترحيبا عربيا بقيادة سعودية، ومباركة الأردن وهي الدولة الحدودية جنوبا، أوضح الرئيس أحمد الشرع في أحد خطاباته أن المجتمع السوري بمكوناته المتنوعة يجب أن ينتقل من عقل وسلوك الثورة إلى عقل وسلوك الدولة. وهو ما أراد تحقيقه في مختلف المظاهر الدبلوماسية والبروتوكولية التي حرصت الرئاسة السورية على إظهارها.

وواقع الحال فبالقدر الذي يسهل فيه الحديث والتنظير، بالقدر الذي يصعب فيه الفعل، وأؤمن بأن الانتقال ليس أمرا سهلا في ظل تصاعد وتيرة الحالة الثورية، لكنه ليس صعبا إذا توفرت الإرادة الكاملة، ووُجدت الخطة المنهجية والقانونية لتحقيق ذلك. وأول السبل الإجرائية كامن في إصدار قانون نافذ تجرم فيه الدولة كل خطاب طائفي وعرقي ومناطقي، وتمنع الركون إلى مظاهر ذلك سواء بالاستقواء التاريخي ورفع الشعارات والمسميات ذات الدلالة الطائفية أو العرقية، فالمواطنون اليوم هم أبناء واقع معاصر، وليسوا امتدادا لأي حدث تاريخي تم قبل مئات السنين.

هكذا تشكلت الدولة الوطنية في القرن العشرين، والتي باتت مرجعا دستوريا وموئلا إنسانيا لكل إنسان على هذه الأرض العربية من البحر إلى البحر، وصار مُهما الحفاظ عليها وعلى حالة السلم الأهلي في ثناياها، إذ كل من يعيش في كنفها هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات بعيدا عن أفكارهم وانتماءاتهم العرقية والمذهبية والدينية، فالكل سواء في حضرة القانون، والكل سواء تحت راية العَلم.

بهكذا سلوك يتمثل عقل الدولة الذي نأمل أن يتحقق في سوريا حاليا، والذي يحتاج إلى حزم شديد من قبل القيادة السورية برئاسة الرئيس الشرع، وأول الحزم يتم بمحاسبة كل الخطابات الإقصائية والممارسات السلوكية الفجة التي مارسها بعض المنتمين للجيش بحق خصومهم في السويداء مؤخرا، إذ لا يُقبل أن يقوم أحد كائنا من كان بإهانة مواطن آخر بأفعال مُهينة غير مقبولة حتى لو كان الآخر مرتكبا لأبشع جريمة، فالمواطنة تحفظ كرامة الآخر، والقانون يقتص من كل من أخطأ. ولنتذكر أن واحدا يهدم ما بناه ألف عمار، ولذلك من المهم أن يتم الحزم بتجريم كل هذه الأفعال السلوكية المستفزة والتي تنتمي لعقل الثورة القميء، وليس عقل الدولة الناضج.

أشير إلى أني كنت قد تخوفت في لقاء لي مع برنامج «حديث الخليج» على قناة الحرة، الذي عرض في الحادي عشر من ديسمبر 2024 أي بعد دخول دمشق بيومين، تخوفت من الذهاب إلى تفتيت سوريا بقيام العلويين والدروز علاوة على المسيحيين بطلب الحماية الدولية، جراء خوفهم من أعمال الانتقام الطائفي، وحين رأيت سلوك الرئيس الشرع وتابعت قراراته الأولى التي أمَّن فيها الناس وعفا وأصلح، استبشرت خيرا، وأراه هو السبيل الأنجح للحفاظ على الدولة السورية وإعادة بنائها، لكن مهم أن يتم تكثيف العمل على تغيير سلوك بعض المنتمين للدولة الجديدة في سوريا، وتغيير مظهرهم أيضا، الذي يعكس نمط تفكيرهم الثوري القديم وليس المؤسسي الحديث. علاوة على الضرب بيد من حديد على كل من يتعدى على القواعد الإنسانية الوطنية ويعتدي على الآخر بنَفَس ولفظ طائفي مرفوض، وكل ذلك بهدف منع أي انزلاق صوب فتنة طائفية كبرى ينفذ منها الغرب، وتنفذ من خلالها إسرائيل للتدخل في شؤون سوريا وتبرير اعتدائهم عليها، كما هو الحال اليوم. فهل إلى ذلك سبيل؟

أخبار ذات صلة

0 تعليق