نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اليوم الوطني السعودي الـ95: جنود صامتون وقيادة ملهمة في مسيرة الوحدة والنهضة, اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 10:14 مساءً
تعود بنا الذاكرة مجددا إلى ذكرى يوم 23 سبتمبر 1932م، الذي أصدر فيه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - المرسوم الملكي رقم (م/1) القاضي بتوحيد البلاد تحت اسم «المملكة العربية السعودية»، استجابة للرغبة الوطنية الجامحة لأبناء الوطن ورموزه في ذلك الحين. وبذلك القرار التاريخي، ولد وطن موحد، اجتمع فيه الشتات تحت راية واحدة، وانطلقت مسيرة جديدة من الأمن والنهضة، بعد أن وضع المؤسس اللبنة الأولى لدولة قوية متماسكة، تقوم على طاعة الله، ثم التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الصحيح، وتحقيق وحدة الكلمة والصف.
وفي امتداد لهذا النهج القويم، يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - قيادة المملكة بحكمة واقتدار، معززا استقرارها ونهضتها، ورافعا مكانتها الوطنية والإقليمية والدولية. وقد أولى - رعاه الله - عناية خاصة برفاهية المواطن، ودعم التنمية المستدامة، ورعاية المشاريع التي تسهم في رفعة الوطن وتعزيز قيمه الأصيلة.
ومن أبرز القرارات التاريخية في عهد الملك سلمان، اختياره الموفق للقائد الملهم، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ليكون ركنا أساسا في قيادة الدولة نحو المستقبل. لقد شكل هذا الاختيار تحولا استراتيجيا ونقطة فارقة في مسيرة المملكة، حيث أتى بقيادة شابة واعية وطموحة، ملهمة ومبتكرة، تضمن استمرار النهضة والتطور وتحقيق الريادة على المستويين الإقليمي والعالمي. ويجسد سموه نموذج القيادة الحديثة التي تعمل بصمت وإخلاص، وترجمة إنجازاته الملموسة على الأرض، من تطوير الاقتصاد وتحقيق التنوع، إلى التوسع في المشاريع التعليمية، والارتقاء بالبنية التحتية، وتعزيز مكانة المملكة الدولية والسياسية، إلى جانب الاهتمام بالتحديث العسكري والأمني. كل هذه الجهود المنهجية تؤكد أن المملكة تسير على نهج متجدد، يضمن استمرارية قوتها ورقيها، ويضعها في مصاف الدول الرائدة عالميا.
وعند الحديث عن التنمية في مناطق المملكة، وفي تجليات النهضة داخلها، نجد أنفسنا أمام جانب آخر من مسيرة النهضة الشاملة، حيث يقدم صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور حسام بن سعود، أمير منطقة الباحة، نموذجا قياديا متفردا في النهوض بالجوانب التنموية والإدارية والإنسانية والتعليمية والسياحية. فقد أولى سموه كل قطاع اهتمامه ومتابعته الدقيقة، مما انعكس على تحقيق نجاح ملموس في كل المشاريع والمبادرات. ولعل أبرز دليل على ذلك كان نجاح وتميز موسم السياحة لعام 2025 في منطقة الباحة، الذي جاء نتيجة توجيهاته الحكيمة ومتابعته لكل تفاصيله وفعاليته، ليصبح مثالا حيا على القيادة الرشيدة التي تحقق نتائج ملموسة في حياة المواطنين والزوار، وتضع المنطقة على خارطة التنمية والسياحة المميزة على مستوى المملكة.
إن هذه النماذج المشرقة من القيادة الوطنية الملهمة، على مستوى الوطن عموما والمناطق خصوصا، تؤكد أن النهضة لا تقوم فقط على القرارات والسياسات، بل على تضحيات وعطاءات ممتدة عبر الأجيال. وهنا، يطل علينا اليوم الوطني ليذكرنا بالبعد الأعمق للانتماء، وبأن الإنجازات العظيمة لم تكن لتتحقق لولا أولئك الذين بذلوا وكافحوا بصمت، وسطروا أسماءهم بأفعالهم، وإن غابت عن ذاكرة الإنسان المعاصر أسماؤهم إلا أن نتائج تضحياتهم نلمسها في هذا الوطن الكريم الشامخ بعقيدته وقيادته وشعبه.
فعندما نحتفل باليوم الوطني، غالبا ما تتبادر إلى الأذهان صور الانتصارات التاريخية، والقرارات الكبرى، وأسماء القادة. لكن وراء كل إنجاز عظيم، هناك قادة ملهمون وكذلك هناك جنود صامتون بذلوا وكافحوا تحت لواء الملك المؤسس عبدالعزيز، قدموا أرواحهم وتضحياتهم في سبيل وحدة هذا الوطن، وربما لم تعد أسماؤهم تتردد في الكتب، ومع ذلك، كانت أفعالهم النبراس الذي أضاء طريق النهضة. هؤلاء الجنود هم القدوة الحقيقية لما يعنيه أن تكون مضحيا للوطن، دون انتظار أي مكافأة، بل إيمان بالواجب الديني والوطني، نعم بذل بلا شهرة، وتضحية بلا تكريم، بل بإخلاص صامت. وهنا أستحضر وثيقة مؤرخة في عام 1337هـ مرسلة من القاضي عبدالله الراشد إلى الإمام عبدالرحمن الفيصل والملك عبدالعزيز ينقل له مشاهداته في منطقة عسير فيقول في معنى ما أورده «لقد وجدتهم يرون طاعة الإمام من واجبات الدين».
إذن فاليوم الوطني ليس مجرد احتفال بالوحدة السياسية لمساحة جغرافية من جزيرة العرب، بل هو تكريم لكل من ساهم في بناء الوطن، وتجسيد لقيم الولاء والإخلاص. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية تخليد أسماء شهداء الوطن في كل منطقة ومحافظة ومركز، من خلال لوحات شرف تعرض في الأماكن العامة، لتكون مصدر إلهام للأجيال القادمة.
ويشكل هذا النموذج امتدادا لرؤية القيادة الوطنية الشاملة، حيث يترجم الاهتمام بالإنسان والمكان إلى نتائج فعلية، ويبرز الحاجة إلى مشاريع وطنية تسجل وتوثق الجهود والتضحيات، مثل مشروع توثيق أسماء الشهداء من المخلصين الذين بذلوا أرواحهم للوطن ووحدته ملتفين ومتوحدين تحت راية التوحيد وقيادتهم المخلصة لتعرف الأجيال القادمة من هم الذين ساهموا في بناء هذا الوطن وإرساء نهضته، وليكونوا قدوات حية لهم.
وفي هذا السياق يصبح مشروع وطني شامل لتوثيق أسماء الشهداء والخدم المخلصين للوطن خطوة ضرورية لتجسيد هذه القيم. يمكن أن تبدأ المرحلة الأولى بتوثيق أسماء شهداء الوطن في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز، لتتبعها مراحل لاحقة تشمل كل من قدم دماءه أو خدمات جليلة للوطن عبر مختلف العصور. ومن دون شك، فإن دارة الملك عبدالعزيز هي الجهة الأقدر على تنفيذ هذا المشروع، لما لها من خبرة وتميز في حفظ التاريخ الوطني وتوثيقه. وكأحد أبناء فلسفة علم التاريخ، يشكل هذا المشروع فرصة للتواصل مع ماضينا وفهم جذور نهضتنا، حتى يعرف أبناؤنا أسلافهم الذين قدموا أرواحهم وأعمالهم في سبيل الوطن.
اليوم الوطني إذن، ليس مجرد مناسبة لتذكر الماضي، بل هو دعوة لكل مواطن لأن يكون جنديا في خدمة وطنه وقيادته ومجتمعه. كل خدمة صامتة، كل تضحية صغيرة كانت أو كبيرة، كل فكرة تنفذ بمحبة وإخلاص للوطن، هي امتداد مباشر لتضحيات الجنود المجهولين، واستمرار لمسيرة البناء والنهضة.
فلنجعل من اليوم الوطني يوم وفاء حقيقي للجنود الصامتين والشهداء، ونعمل على تفعيل مشروع توثيق أسمائهم وعرضها على لوحات شرف في جميع المدن والمناطق، ليكونوا قدوة لكل جيل، ولنؤكد أن الولاء والعمل الصامت هما سر استمرار النهضة ورفع راية المملكة عالية في كل زمان ومكان.
0 تعليق