نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من العباءة للزعامة..., اليوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 10:14 مساءً
من يحمل الفخر الصادق تجاه وطنه، تضيق به مفردات اللغات. وفي يومنا الوطني الخامس والتسعين، أقف معكم لأتأمل مسيرة وطن يبني المستقبل بثبات، ويصوغ حضوره بقوة واستدامة. وهنا تبرز أسئلة أشد إلحاحا من أي وقت مضى: كيف يرى العالم المملكة اليوم؟ هل ما زالوا يختزلونها في صحراء وجِمال وآبار نفط، أم أدركوا أنها تجاوزت تلك العباءة القديمة، وانطلقت بثقة نحو مكانتها بين الأمم؟ ما عمق التحولات التي نعيشها: هل ما زلنا نصنف كدولة نامية، أم أننا بالفعل تجاوزنا ذلك التصنيف إلى مراحل بعيدة المدى؟
يتحدد تصنيف الدول بين «نامية» و«متقدمة» وفق معايير أساسية تشمل الدخل، والتنوع الاقتصادي، وقوة المؤسسات، وجودة الحياة. وبحسب البنك الدولي، تعد السعودية اقتصادا عالي الدخل، بعدما تجاوز نصيب الفرد حاجز 13,935 دولارا. أما صندوق النقد الدولي (IMF) فيصف المملكة بأنها من الاقتصادات «الصاعدة»، في توصيف يعكس مرحلة انتقالية لدولة تمضي بثبات نحو آفاق واعدة.
وعلى صعيد نوعية الحياة والتنمية البشرية، بلغ مؤشر التنمية البشرية (HDI) في تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية 2024 نحو 0.900، مقابل 0.94 في الإمارات، ما يضع السعودية ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية العالية جدا، وهذا دليل على استثمارات فعالة في التعليم والصحة وارتفاع دخل الفرد.
أما على الجانب الاجتماعي، فتراجع معدل البطالة إلى 7.1%، فيما ارتفعت مشاركة المرأة إلى 35% بحسب التقرير النصفي لوزارة المالية 2024، متجاوزة مستهدفات الرؤية. هذه المؤشرات تؤكد أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بدأت تؤتي ثمارها، متمثلة في بناء رأس مال بشري قوي ومتنوع، واستثمار طاقات كانت كامنة، مع تهيئة بيئة عمل أكثر ديناميكية عبر إصلاحات الإقامة واستقطاب الكفاءات.
ومع ذلك، وبرغم هذه الإنجازات البارزة، لا تزال المملكة تواجه تحديات طبيعية في مسار تحولها الاقتصادي، تستوجب مواصلة الجهود للحفاظ على الزخم وضمان الاستدامة. يأتي في مقدمة هذه التحديات استمرار ارتباط الاقتصاد بأسعار النفط، ما يفرض تنويعا مستمرا في الإيرادات. يلي ذلك ضخامة المشروعات العملاقة مثل نيوم والبحر الأحمر والقدية، التي تتطلب إدارة مالية وزمنية دقيقة.
أما التحدي الثالث فهو رفع إنتاجية القطاع الخاص، إذ لا يكفي خفض البطالة دون تحسين جودة الوظائف المطروحة. ويضاف إلى ذلك كثافة المشاريع الوطنية التي تستلزم حوكمة صارمة ورصدا متواصلا للحفاظ على الكفاءة والاستقرار المالي. غير أن هذه التحديات لا تعد عوائق بقدر ما تمثل «أجندة عمل» مستقبلية، والوعي بها يعزز اليقين بأن المملكة تمضي بخطى راسخة نحو مكانتها المستحقة بين الاقتصادات الصاعدة.
أما عند النظر إلى المستقبل، نجد أن صورة السعودية في السنوات القادمة تعتمد على مسارين محتملين؛ الأول تفاؤلي يستمر فيه نمو القطاعات غير النفطية والانضباط المالي، أما الثاني فهو أكثر حذرا، حيث قد يتأثر بعوامل مثل زيادة الإنفاق أو تقلب أسعار النفط أو الركود العالمي. لكن النجاح يبقى مرتبطا بتحقيق توازن بين سرعة التحول والمحافظة على الاستقرار، في مشهد تزيح فيه المملكة عباءة التصنيف القديم عنها لتصنع الفارق بقفزة تاريخية مستدامة.
ومع كل هذا الزخم، تظل مسألة تصنيف المملكة محل نقاش... فهل يرى العالم تحولنا كما نراه نحن؟ أم أننا ما زلنا أسرى صورة «الدولة النامية» في أعينهم بسبب تحديات كتفاوت الدخل والهوية النفطية؟ وبعيدا عن الجدل، وهل يجب أن نهتم؟ تظل الحقيقة أن غياب مؤشر عالمي واضح لتعريف «الدولة المتقدمة» يجعل التصنيف نسبيا. لكن إدراك ما ينقصنا هو المفتاح الحقيقي لصناعة مستقبل أقوى، فالفخر بالوطن لا يعني الاكتفاء بالمكتسبات، بل الاستمرار في رحلة التطوير بوعي دائم.
ينير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز درب الوطن بقوله: «اذكروا أن بلادكم أقدس بلاد العالم، وأنها قبلة المسلمين، ومنطلق الرسالة، وأن هذه الجزيرة، التي تشكل المملكة الجزء الأكبر منها، هي منطلق العروبة في كل مكان من العالم. فلهذا فإن كل مواطن في بلده لوطنه عليه حق». وفي ضوء هذه الكلمات العميقة، تتجسد مسؤوليتنا المشتركة وإرثنا الحضاري الممتد.
إنها رحلة وطن خرج من عباءة التصنيفات الضيقة، ومضى مرفوع الرأس نحو الزعامة بين الأمم. نحن بلاد تجاوزت بوضوح مرحلة «النامية»، ونسير بثبات نحو المكانة التي نستحقها بين الاقتصادات الراسخة والدول المزدهرة. نحن أناس مطمئنة في الصباحات، تشرق لدينا الإمكانات كما يشرق الضوء في عيون الأطفال. نمضي بروح الانفتاح والتسامح، نمد أيدينا للعالم، ومع كل خطوة، نكتب فصولا جديدة من العز والفخر، بجهود أبنائنا وحنكة قيادتنا، ليظل الوطن شامخا في القمة، رائدا في التنمية، وملهما في الإنجاز.
كل عام والوطن بخير.
0 تعليق