تفاصيل جديدة في قضية اغتصاب الأسيرة "101" من غزة:الرواية الكاملة لجريمة تقشعر لها الأبدان

دنيا الوطن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تفاصيل جديدة في قضية اغتصاب الأسيرة "101" من غزة:الرواية الكاملة لجريمة تقشعر لها الأبدان, اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 07:10 مساءً

رام الله - دنيا الوطن
تتكشف تباعاً تفاصيل صادمة في قضية تعذيب واغتصاب أسيرة من قطاع غزة، في أول شهادة تُنشر للعلن بعد توثيقها من قبل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ،فيما لا تزال العديد من القصص والشهادات طيّ الكتمان.

وفي تفاصيل جديدة أدلت بها الأسيرة المحررة (أ.ن)، البالغة من العمر 42 عاماً ومن سكان شمال غزة، لوكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا"، سردت ما تعرضت له منذ لحظة نزوحها القسري من بيت لاهيا في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2024، وصولاً إلى الإفراج عنها بعد أكثر من شهر من الاعتقال.

وتصف (أ.ن) ما مرت به بأنه "إبادة أخرى خلف الجدران"، مؤكدة أنها لم تكن تعرف نهاراً من ليل داخل الزنازين، وأنها فقدت الشعور بالزمن سوى برقم واحد: 101، الرقم الذي منحها إياه الجنود بديلاً عن اسمها وهويتها.

التعذيب منذ اللحظة الأولى

تقول الأسيرة إنها خضعت منذ وصولها إلى الحاجز العسكري الذي أقامه جيش الاحتلال داخل قطاع غزة لعمليات إذلال ممنهج: تكبيل، تعصيب للعينين، خلع للحجاب بالقوة، وترك في العراء على أرض مليئة بالحصى في برد شديد، وهي المرأة الوحيدة بين 150 معتقلاً من الرجال.

وفي اليوم التالي، نُقلت مع بقية المعتقلين عبر ناقلتين وصفتهما بأنهما "غير صالحتين للاستخدام الآدمي".

وتضيف: "الضرب كان ينهال علينا طوال الطريق، إلى جانب سيل من الشتائم، منها ما طال الذات الإلهية والدين الإسلامي. وصلنا إلى نقطة عسكرية في منطقة (سديروت)، حيث مكثنا ليلة واحدة، كانت مجرد محطة انتقال نحو ما هو أسوأ".

بعد نقلها إلى سجن "سديه تيمان"، أُجبرت على خلع ملابسها بالكامل تحت تهديد السلاح، وحين رفعت يديها لخلع قميصها، بحسب شهادتها، سُحبت العصبة عن عينيها للحظات رأت فيها جنديَين يوجهان هاتفيهما نحوها ويصورانها. صرخا عليها لاستعادة العصبة، وتركاها بملابسها الداخلية قبل إلباسها رداء السجن رمادي اللون، في حين قامت مجندة بقص شعرها.

ثم أعادوا تكبيل يديها بشدة لدرجة سببت لها جروحًا دامية. وُضعت داخل قفص ضيق لا يسمح بالجلوس، وبقيت واقفة رغم حاجتها الملحّة لقضاء حاجتها، لكن الجنود رفضوا السماح لها، فاضطرت لقضاء حاجتها واقفة أمام الجميع وسط الإهانات والسخرية.

لاحقا، جرى إخراجها مع بقية الأسرى إلى الساحة، حيث أُجبروا على الركوع ساعات طويلة ورؤوسهم إلى الأرض، بينما أطلق الجنود كلابا مدربة هاجمتهم، لدرجة أنها تبولت على نفسها مرة أخرى من شدة الرعب، وسط صراخ الجنود وضحكاتهم.

بعد ساعات، نُقل المعتقلون إلى ما سُمّي بالكشف الطبي، حيث سألها "طبيب" إن كانت تعاني من أمراض. أجابت بالنفي. وحين سألها إن كانت تعرضت للضرب، وأجابت نعم، انهال عليها "الطبيب" نفسه بالشتائم والإهانات، في مشهد ينفي أي وجود لوظيفة الطب أو الإنسانية، على حد وصفها.

بعد عودتها إلى الساحة، وهي ما تزال راكعة ومكبّلة، اقتادها جنديان إلى ضابط مخابرات جلس خلف طاولة يسأل عن الأنفاق والمطلوبين من عائلتها. تقول إنها كانت ترد بأنها لا تعرف شيئا، فينهال عليها الجنديان بالضرب، مركزين على منطقة أسفل الرأس. عرض الضابط عليها التعاون مقابل إطلاق سراحها، ملوحا بوعود كاذبة بالحماية، ثم هدّدها باغتصابها واستهداف عائلتها إن لم تتعاون. رغم الألم والخوف، تقول إنها رفضت كل عروضهم.

"غرفة الاغتصاب"… الجريمة الأبشع

تتحدث (أ.ن) عن اليوم الثالث باعتباره البداية الفعلية لأبشع الجرائم، حين أخذها أربعة جنود مقنعين إلى غرفة مساحتها أربعة أمتار مربعة، تتوسطها طاولة معدنية مثبتة بالأرض، وكأنها مخصّصة لتعذيب النساء والاغتصاب. طُلب منها خلع ملابسها كاملة، ثم كبّلوها بالطاولة، وتناوب اثنان من الجنود على اغتصابها بعنف شديد، بينما جنديان آخران يصوران المشهد بهواتفهما.

وتتابع شهادتها، أن الغرفة كانت مجهّزة بكاميرات مراقبة، وأنها بقيت بعد ذلك مقيدة عارية ليوم كامل بلا طعام أو ماء. في اليوم الذي يليه، عاد الجنود أنفسهم مقنعين أيضا. تقول: "أعادوا اغتصابي، ورفع أحدهم قناعه وقال إنه يدعى ليو، من أصول روسية، وطلب مني التعاطي معه جنسيا، وعندما رفضت، ضربني مع زملائه بشراسة".

ونتيجة تعرضها للاغتصاب المتكرر، أصيبت بنزيف وجروح، وفي تلك الليلة جاءتها الدورة الشهرية وهي ما تزال مقيدة للطاولة، فتركوها تنزف طوال الليل دون أي محاولة لفك قيدها.

وتردف قائلة: "فقدت القدرة على معرفة الوقت. الليل يشبه النهار داخل السجن. ما كنت أعرفه فقط أنني أحمل رقم 101".

وبعد مضي يوم أو يومين، اقتادها الجنود إلى غرفة أخرى يتدلى من سقفها سلاسل وقيود، وفيها صليب معدني يستخدم لربط المعتقلين. طُلب منها خلع ملابسها بالكامل مجددًا، ثم قُيدت من قدميها وعُلّقت من يديها. انهالوا عليها بالضرب مركّزين على صدرها حتى شعرت أنها تختنق. بعدها عرضوا عليها صورها عارية وصور اغتصابها، وهددوها بنشرها إن لم تتعاون. وعندما رفضت مجددا، أوصلوا جسدها بأسلاك كهربائية وصعقوها مرارًا حتى فقدت الوعي. أيقظوها برش الماء البارد على جسدها، ثم أنزلوها وأعادوها إلى الزنزانة.

وتصف (أ.ن) زنزانتها بأنها كانت أشبه بثلاجة: المكيف يعمل على أقصى درجات البرودة، لا فراش ولا غطاء. كانت تتلقى كاسة لبن وتفاحة فقط يوميًا، ويتعاملون معها بازدراء بسبب النزيف الناتج عن الدورة الشهرية والجروح التي سببها الاغتصاب.

في اليوم الخامس، أعطاها أحد الجنود كان برفقته مجندة فوطة صحية. تقول إنها لاحظت أن شكلها غريب، وعندما لمستها وجدت داخلها حبيبات صغيرة كالحصى أو السكر. وضعتها في وعاء المياه الموجود لقضاء الحاجة داخل الزنزانة، فبدأت تتفاعل وتصدر دخانًا أبيض ذو رائحة خانقة تشبه المواد الكيميائية الحارقة. وتعتقد أنها كانت معدة لإيذاء أعضائها التناسلية. وعندما عاد الجنود ورأوا الدخان، أدركوا أنها لم تستخدمها، وانهالوا عليها بالشتائم.

نقلها إلى الدامون… "ولا شيء كان أفضل"

في الليلة السادسة دخل عليها ضابط قدم نفسه باسم "الكابتن أبو علي"، وسألها لماذا لا تنام. قالت له إنها لا تعرف النوم من شدة الألم. أخبرها بأنه سيتم نقلها إلى سجن "الدامون" للنساء، وأن "الوضع سيكون أفضل" هناك. لكن ما إن وصلت إلى الدامون مع ساعات المساء، حتى اكتشفت أن التعذيب لم ينتهِ. عرضوا عليها التعاون معهم لنقل أخبار الأسيرات، لكنها رفضت.

في "الدامون"، كان الضرب دون سبب جزءًا من الروتين اليومي، وكانوا يختارون غرفاً بشكل عشوائي لضرب جميع من فيها. الطعام كان فاسدا، والرائحة لا تُحتمل. طلبت علاجا لجروح الاغتصاب، فقوبلت بالرفض. كانوا يرشون غاز الفلفل داخل الغرف حتى تفقد أسيرات الوعي من شدة الألم والاختناق.

مكثت 25 يوما في هذا السجن. ثم أجبرها الضباط على توقيع وثيقة تنكر فيها تعرضها لأي تعذيب أو اغتصاب، وهددوها بنشر الفيديوهات والصور إن رفضت. بعد ذلك، نُقلت إلى سجن "المسكوبية" بالقدس، حيث بقيت يوما واحدا، تعرضت خلاله للضرب والإهانات ذاتها، كما تقول، "وكأنهم اتفقوا على تعذيبنا في كل مكان".

إفراج بجسد منهك وذاكرة تنزف

وبعد أكثر من شهر من الاعتقال والتعذيب، تم الإفراج عنها في السادس من كانون الأول/ديسمبر 2024، ونقلها إلى معبر "كرم أبو سالم" ببدلة السجن الرمادية ورقمها 101، بعد أن استولوا على كل مقتنياتها: خاتم، سلسلة، محبس من الذهب، ومبلغ 4200 شيقل تمت سرقته منذ نقلها إلى سجن "سديه تيمان".

وعند المعبر، تسلتمها طواقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث أبلغتهم بكل التفاصيل التي حدثت معها، ونُقلت إلى مستشفى الأوروبي في غزة، وكان جسدها يحمل آثار التعذيب واضحة وجلية.

ومنذ لحظة الإفراج عنها قبل نحو عام، تحاول (أ.ن) أن تعود إلى حياتها الطبيعية، لكن آثار التعذيب تطاردها. تتلقى علاجا نفسيا عن طريق "الصليب الأحمر"، وتعترف بأنها فكرت بوضع حد لحياتها أكثر من مرة، وتمنت الموت مرارا، لكنها بقيت على قيد الحياة بسبب دعم عائلتها والمقربين منها. وتقول إنها لا تعرف النوم، فالكوابيس تزورها كل ليلة، وتحملها إلى تلك الزنازين الباردة والغرف المغلقة.

احكوا عنا"… وصية من خلف القضبان

وتختم شهادتها بوصية إحدى زميلاتها الأسيرات في سجن "الدامون": "احكي للعالم عنّا… لا تدعي صوتنا يموت.. ما نعيشه هناك يفوق كل خيال".

التجربة القاسية التي عاشتها (أ.ن)، تعكس هول الجرائم التي تعرضت لها النساء في قطاع غزة على مدار عامين من حرب الإبادة والعدوان، والتي تستدعي التوثيق قانونيا وحقوقيا وإعلاميا من جانب، وتوفير برامج دعم نفسي من جانب آخر.

جرائم تتجاوز (أ.ن)… أرقام تكشف عمق الكارثة

تكشف مؤسسات الأسرى أنّ ما تتعرض له النساء ليس حالات فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة بعد 7 تشرين الأول 2023.

وقد سجلت الضفة الغربية حتى تشرين الأول/أكتوبر الماضي: 20,500  حالة اعتقال ،595   امرأة ،أكثر من 1,630 طفلاً.

أما معتقلو غزة فأعدادهم مجهولة بسبب الإخفاء القسري المتعمد.

وتؤكد مؤسسات الأسرى، أن الفظائع التي مورست بحق الأسرى والمعتقلين بعد الإبادة تجاوزت حدود التصور، بدءا من جرائم التعذيب الممنهج، والتجويع، والجرائم الطبية، والاعتداءات الجنسية بما فيها جرائم الاغتصاب، مشيرةً إلى أن الإفادات والشهادات لا تزال تكشف يوميا عن تفاصيل جديدة ومعلومات أكثر خطورة وقسوة بشأن شكل الإبادة الجارية داخل سجون الاحتلال.

وتوضح مديرة وحدة المرأة بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ماجدة شحادة لـ"وفا" بأن ظروف الاعتقال ووسائل التعذيب تغيرت بشكل جذري بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بما في ذلك التعذيب الجنسي الممنهج لكسر إرادة الأسرى والأسيرات وكسر شخصيتهم.

وتشير إلى أن علاقة المعتقلين مع أسرهم بعد الإفراج تصبح صعبة جدا بسبب الصدمات النفسية، خاصة إذا كانت الاعتداءات جنسية، الأمر الذي يترك آثارا عميقة على الزوجة والأبناء.

وتبين شحادة، أن الانتهاكات شملت تجريد الأسرى من الملابس وحرمانهم من النوم والطعام، فضلاً عن استخدام العنف الجسدي والنفسي، مع التركيز على محاولة تدمير الإرادة والكرامة الإنسانية، مشددة على ضرورة تطبيق برامج علاجية مكثفة تشمل الأسرة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، بما في ذلك جلسات جماعية للعلاج النفسي وتبادل الخبرات.

من جهته، يؤكد نائب مدير البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ياسر عبد الغفور، أن المركز يعتمد "بروتوكول إسطنبول" لتوثيق التعذيب والانتهاكات، ويشمل المقابلات الفردية، الفحص الطبي الشرعي، مراجعة الأدلة، وتوثيق ظروف الاحتجاز، مشيرا إلى تلقي شهادات من معتقلين محررين بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تضمنت اغتصابا وتعرية قسرية وإيذاء جنسي.

ويضيف، أن دولة الاحتلال تتحمل المسؤولية المباشرة، ويواجه قادتها السياسيون والعسكريون المسؤولية الجنائية الفردية وفق نظام روما الأساسي.

ويشدد على أن هذه الانتهاكات تُصنّف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إذا مورست بشكل واسع ومنهجي، وأن دولة الاحتلال قد تبنت سياسة منهجية للتعذيب الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتعرية والتصوير القسري، كجزء من جريمة الإبادة الجماعية بحق المواطنين في قطاع غزة.

ويؤكد أن المركز يقدم ملفات شاملة للمحكمة الجنائية الدولية، ويعمل على حماية الضحايا والشهود، وضمان رعاية طبية ونفسية وقانونية شاملة بعد الإفراج، مع الحفاظ علي سرية هوية الضحايا وسلامتهم.

أخبار ذات صلة

0 تعليق