إسرائيل... يونيو حزيران من جديد!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إسرائيل... يونيو حزيران من جديد!, اليوم السبت 14 يونيو 2025 10:30 مساءً

يبدو أن القادة الإسرائيليين يتفاءلون بهذا الشهر، ففيه حدث أكبر انتصار إسرائيلي على دول الطوق عام 1967م، من هذا التاريخ الذي يعيد نفسه، أعادت إسرائيل رسم سياساتها العدائية تجاه المنطقة وشعوبها، ومنطلقا من ذكرى ذلك التاريخ والحاضر الذي نعيشه أقول: قبل الهجوم الإسرائيلي الأخير، كانت هناك مؤشرات إيرانية تبشر بقرب التوصل إلى اتفاق نهائي حول برنامجها النووي، يقابله في الوقت حالة من عدم الرضا الأمريكي حيال ما وصلت إليه المباحثات الأخيرة!

الجانب الإيراني كان متفائلا جدا، جاء ذلك على لسان وزير خارجيته عراقجي الذي أكد أن الاتفاق بات في متناول اليد، يقابله من الناحية الأخرى تصريح للرئيس الأمريكي الذي كان قد صرح قبل الضربة بيوم؛ بأنه غير متفائل ويشعر بخيبة أمل جراء تعاطي الإيرانيين مع المفاوضات الأخيرة!

الآن وبعد الضربة الإسرائيلية القوية يمكننا تفهم مغزى تصريح وزير الخارجية الإيراني، والذي كان امتدادا في سلوكه ومنهجه لأسلوب الجانب الإيراني الدائم في المفاوضات التي ينخرط فيها مع الغرب، اللعب على الوقت ومحاولة كسب نقاط تأخير تضمن لإيران التحرك ومن ثم الكسب - وفق قواعد دبلوماسيتها الثقيلة - والتي نجحت من خلالها مع أوباما في الوصول إلى اتفاق نووي سابق كان يعتبر منجزا للدبلوماسية الإيرانية ورموزها في ذلك الوقت.

اليوم، الغرب وعلى رأسه أمريكا وممثلا في ترمب يروم تنازلا إيرانيا واضحا وصريحا حول برنامجها النووي، وهذا ما كانت ترجوه أمريكا من خلال المفاوضات الأخيرة التي رعتها عمان. الإيرانيون تصلبوا كالعادة مدافعين عن حقهم في امتلاك برنامج نووي (سلمي)، لكن ما وراء تلك السلمية هي تلك الرسالة التي كانت وما زالت إيران تحاول إيصالها للعالم - وبطريقة غير مباشرة - بأنها على عتبة إنتاج سلاح نووي يضمن لها الوقوف موقف الند للند مع الغرب ووكيلته إسرائيل!

وماذا بعد؟ ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل للهجوم على إيران، وبالفعل مارست إسرائيل عنترياتها العسكرية وضربت العمق الإيراني، ضربات كانت في منتهى الدقة، راح ضحيتها أربعة قادة عسكريين دفعة واحدة؛ يمثلون الصف الأول في المؤسسة العسكرية الإيرانية التي فاجأتها الضربة كما وكيفا وتوقيتا!

الصور اللاحقة التي أشاعتها إسرائيل عن عملائها الذين قاموا بتجهيز المسيرات لضرب أهدافها المختلفة، جعلت العالم يصدم ليس من قوة إسرائيل، ولكن من حالة الارتباك التي كانت عليها إيران والتي كان نتيجتها اختراق إسرائيلي مكرر للعمق الإيراني!.

موجة الرد الإيرانية الأولى لم تكن بمستوى ما كان المحللون ينتظرونه من دولة تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة، وربما يكون للضربة الإسرائيلية وسرعتها ودقتها دور في تحجيم الرد الإيراني السريع، مما جعله يظهر بتلك الصورة التي لم تتجاوز طائرات مسيرة، بطيئة في الحركة وتأثيرها منعدم قياسا بما فعلته الضربات الإسرائيلية الأولى.

بعد ذلك بساعات توالت موجات الصواريخ الإيرانية وتعاقبت في قصف تل أبيب وما جاورها، في صورة تعكس محاولة إيران استعادة زمام الأمور داخليا، وترميم نفسيات مواطنيها الذين أذهلتهم سطوة إسرائيل.

وهنا نتساءل مع توالي الهجمات الإيرانية، هل ستصمد إسرائيل وهل ستستطيع تجاوز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها العدائي، وخاصة أنها تُستهدف بأسلحة متقدمة نوعا ما؛ ما عرفها المواطن الإسرائيلي من قبل؟!.

على الطرف البعيد والقريب في آن، يبدو أن أمريكا تنظر للمشهد من زاوية أخرى، فإسرائيل بالمفهوم الخدمي تظل في العرف الأمريكي قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة، تؤدي دورا وظيفيا يخدم الغرب، وما يحصل الآن هو حرب بالوكالة تقوم بها إسرائيل خدمة للمشروع الغربي، وأمريكا ما زالت تراقب المشهد منتظرة ما سيسفر عنه لتتدخل كعادتها؛ إما بوقف لإطلاق النار، يتلوه عودة إيران إلى طاولة المفاوضات في عمان، أو تدخل عسكري مباشر قادم، ينقذ ما يمكن إنقاذه من إسرائيل وليضمن بقاءها الهراوة التي تستخدمها أمريكا لضرب كل من يعارض سياستها في الشرق الاوسط، وهذا هو الدور الوظيفي الذي تعرفه إسرائيل وتريد أن تنجح فيه لتضمن لنفسها البقاء في هذا البحر المتلاطم من الأعداء الذين ما زالوا يرون فيها الكيان الغاصب.

أما إيران فهي تمر بأقسى امتحان، ومع محاولاتها العديدة لضبط النفس إلا أن الهجوم الإسرائيلي الأخير جعلها تندفع باتجاه رد انتقامي؛ في محاولة للحفاظ على كبريائها الذي خدشته إسرائيل أكثر من مرة، ولتضمن عودة مشرفة قوية إلى طاولة المفاوضات في عمان، وهي تملك حق الرد على كل متجاوز يحاول المساس بأمنها وشعبها وأرضها.

عمان وقريبا، ستكون الملاذ القادم الذي سيجمع الفرقاء ليعيدوا رسم واقع جديد يضمن لإيران البقاء في المنطقة كلاعب إقليمي مهم، ولأمريكا الاستمرار كقوة عالمية تتصرف كما تشاء.

أما إسرائيل فقد أدخلت نفسها في مأزق خطير كونها الآن تدخل أزمة وجود وبقاء، فالشواهد العميقة تؤكد أنها نمر من ورق، وأنها دون الغرب ورقة ستحترق، وأن عنترياتها لن تجعلها قادرة على الدخول في صراعات طويلة الأمد، وخاصة أن أبعادها الجغرافية والديموغرافية لا تستطيع استيعاب صراعات طويلة من هذا النوع، في ظل انقسام الشارع الإسرائيلي حول نفسه، وحول كيانه المزعوم الذي لم يضمن لإنسانه الأمن والاستقرار، فهذا الكيان لا يربطه بالجغرافيا التي حوله ولا تاريخها شيء من التكامل الإنساني أو الثقافي؛ جسم غريب كل ما يربطه بمن حوله هو ذلك الشعور العميق المتأصل عند الجميع، أن هذا الكيان كيان غاصب ومؤقت مآله الزوال ولو بعد حين!

أخبار ذات صلة

0 تعليق