نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السعودية.. وحشد العالم لحل الدولتين, اليوم الخميس 31 يوليو 2025 09:48 صباحاً
أن تكون وسيطا نزيها في هذا العالم، الذي يضرب بالقوانين الإنسانية ومبادئ العدالة عرض الحائط في كثير من مسارات السياسة الدولية، فهذا أمر مكلف، خصوصا إذا كنت غير باحث عن مصالح استراتيجية متوسطة وبعيدة المدى، بل لأنك تعمل وفق مبادئك الإنسانية وأخلاقياتك الاجتماعية الأصيلة والمتوارثة جيل بعد جيل، واهتمامك بمصالح ومستقبل محيطك العربي والإسلامي.
المملكة العربية السعودية اختارت السير في هذا النهج التصالحي، الذي يراعي مصالح وحقوق الشعوب العربية، لا سيما المتضررة منها، وأبرزها فلسطين الجريحة ومسلوبة الإرادة والإدارة، حيث أثبتت المواقف أن فلسطين حاضرة على الدوام في ملفات السياسة الواردة إلى الرياض والصادرة منها، للذود عن حقوقها السياسية والإنسانية.
الحديث اليوم ليس عن كيف استطاعت الرياض إقناع باريس بضرورة الاعتراف بدولة فلسطينية؛ رغم أن فرنسا لم تناقش آلية وتفاصيل اعترافها ذاك، بل إنها تحدثت عنه بالمجمل كعناوين عريضة لا تفصيلية، حتى أنها لم تكشف عن رؤيتها فيما يتعلق بالحدود بين الدولتين فلسطين وإسرائيل، إنما أيقنت بالاعتراف واكتفت، لكن ما هي أبعاد الخطوة الفرنسية؟
يبدو أن القرار الفرنسي يحمل بعدين، الأول بعد سياسي يتمثل في كسب السعودية الحليف الاستراتيجي لباريس، والعالم العربي بأسره، الذي يعد القضية الفلسطينية قضية مركزية لا هامشية، أما البعد الآخر غير المكشوف، يعتمد على تصفية الحسابات مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد التجاذبات التي نشأت بين الدولتين بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمكتب البيضاوي من جديد، كفرض الرسوم الجمركية على الدول الأوروبية، وهذا يكشف عن خلافات وربما معارك كسر عظم يدور رحاها بين عدد من العواصم الأوروبية وواشنطن.
هنا، ينبغي العودة لرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على القرار الفرنسي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، عندما قال إن قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «لا وزن له»، في حين عدّ وزير الخارجية الأمريكي، الموقف الفرنسي بأنه «لا يخدم إلا دعاية حماس»، وهذا اختزال للقضية الفلسطينية الكبرى، وسلب لحق مكون اجتماعي كامل، فالشعب الفلسطيني ليس حركة حماس.
هذا الموقف يكشف جليا مدى تأثير «اللوبيات» الصهيونية في أمريكا، التي فجرت غضبها نتيجة إفشال مشروع «ريفيرا الشرق» الذي يقوم على تهجير أهالي قطاع غزة، والتي تنفذ أجندتها، أي تلك اللوبيات، استنادا على قصور أمريكي في الفهم السياسي بعيد المدى، وجهل في السير وفق التوازنات الإقليمية والدولية، حيث من الصعب النظر في الاجتهاد بدعم الآلة العسكرية الإسرائيلية وحكومة نتنياهو المتطرفة في مواجهة شعب أعزل خارج ذلك السياق.
كما أن رؤى صناع القرار في واشنطن لا تبتعد في المضمون عن ردود الفعل الإسرائيلية، التي عدت اعتراف باريس بفلسطين «مكافأة للإرهاب»، في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قادته حماقته والغباء السياسي إلى التصريح بأن الفلسطينيين لا يسعون لإقامة دولة بجانب إسرائيل، بل بدل منها.
هذه التصريحات وردود الأفعال المتعجرفة، تكشف المشهد بشكل أكثر دقة أمام العالم، وهو ما يمكن تسميته التناقضات الأمريكية والتخبط الإسرائيلي، فبعد أن أدلى ترامب ووزير خارجيته بتلك التصريحات حول الموقف الفرنسي المتعلق بفلسطين، خرج الأول أي ترامب للمطالبة بأن ينعم أطفال قطاع غزة بالأمن والغذاء، وأن وقف إطلاق النار في القطاع ممكن، ويريد تحقيقه!
إن مواقف الرئيس الأمريكي ومسؤولي البيت الأبيض بحاجة إلى أكثر من صحيفة للحديث عن تناقضاتها لا مقال، لكن المهم اليوم هو ما يمكن استنتاجه كمكاسب يمكن أن تعود على القضية الفلسطينية بالإيجاب، من الاعتراف الفرنسي بقيام الدولة استنادا على مشروع مبادرة السلام العربية الذي قدمته المملكة العربية السعودية في مؤتمر بيروت في مارس عام 2002، ففرنسا تعد من أوائل الدول الغربية الكبرى التي تعلن نيتها عن الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، لا سيما أن تلك الخطوة ذات أهمية عميقة، نظير أن فرنسا تحتضن أكبر جالية مسلمة، وكذلك يهودية في القارة العجوز.
هذا الاعتراف الفرنسي يمنح باريس دون شك وزنا معنويا وسياسيا، ما قد يشكل نموذجا سياسيا حميدا تنتهجه دول أوروبية أخرى، الأمر الذي ستستفيد منه فرنسا في لعب دور قيادي يسير وفقه بعض الجيران، وهذا يعد نقطة تحول في صالح السياسة الفرنسية التي تبحث عن دور قيادي في المنطقة المهملة من الناحية الاستراتيجية على الصعيد العالمي.
كما أن الاعتراف الفرنسي يحقق مكاسب سياسية عميقة لقصر الإليزيه، كظهوره بشكل وديع يراعي منح الإنسانية حقها الشرعي والطبيعي، وهذا بطبيعة الحال يخاطب ود العالم العربي الذي يعد شريكا في النواحي الاقتصادية والسياسية لفرنسا.
إن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين يميط اللثام عن ثقل المملكة العربية السعودية السياسي، الذي استطاعت الرياض من خلاله حشد أكبر قدر من المؤيدين للنظر في القضية الفلسطينية كقضية عادلة، لا يمكن اختزالها ببعض من حملة السلاح والباحثين عن الحروب وإثارة المعارك التي من شأنها تعطيل القضية والإضرار بالإنسان الفلسطيني، بمن في ذاك «الغزاوي»، الذي ليس له حول ولا قوة اليوم سوى تعاطف العالم معه، ووقوف الدول النزيهة بدعم سعودي للاعتراف بدولته وحقوقه ضد جحود وتعنت كبار مدبري سياسة العالم ومهندسي صناعة قراراته.
0 تعليق