حين يحاكي الإنسان الطير والحيوان

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين يحاكي الإنسان الطير والحيوان, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 09:50 مساءً


الأرض بدورانها وتعشقها للشمس تحرك فينا سعادتنا ودوافعنا، وتزرع في أجسادنا توقا للأفضل لا يتوانى، ورغبة بالكمال لا تقاس، فنجد حياتنا مراحل هروب وعودة، براعم أزهار تبحث عن الضوء في وسط الشتاء، ورطوبة نسمة باردة حين تلسعنا سياط الشمس في نهارنا وبقايا حموتها ليلا.

لا فرق بين الإنسان والظباء المهاجرة، ولا أسراب الطيور التي تشق مسافات السماء طلبا للدفء، ولا بين من يحزم حقائبه ويهرب صيفا من وهج يكاد يسحق الروح.

حالة الطقس تخلق وتعيد ترتيب علاقة الإنسان بالوطن، باعتباره نظاما داخليا يعيد تشكيل ملامحنا وكينونة أجسادنا: البشرة، قدرة العين، السعادة، الحركة، والنوم، أدوات تحاول التكيف مع إيقاعات الكوكب.

الكسل في الشتاء ليس مجرد زيادة ترف، بل استجابة نفسية عضوية لانكماش الطبيعة، وما تمليه علينا من أوامر.

النشاط في الربيع أشبه بانبعاث نفسي من رماد الكآبة الموسمية.

وهكذا، تتكيف النفس البشرية مع تعاقب الفصول، كما لو أن الذات تسكن داخل خارطة طقس جغرافية تحتوي قمم الوهج والخنوع.

ينزل إنسان الشمال جنوبا من برده القارص باحثا عن شحنة حياة تشع بالدفء، يستعيد مرونة عظامه وقوة عضلاته، ويخضع لإشراقة تعيد إليه شيئا من عنفوان نفسه التي غابت خلف الغيوم.

بينما يرحل ابن الجنوب شتاء للهروب من شمس تتربص بأنفاسه، مستجيرا برطوبة وظل ولقمة هانئة تكتب الهدوء وقلة الملابس.

السعودي مثال لكل ذلك، يلاعب في ربوع بلاده لعبة الطيور بين الأشجار نفسها، ويرحل فهدا لأطراف الأرض يرتجي شرفة تطل على بحيرة ومناخ أقل قسوة.

السعودي، حال قدرته الوقتية والمالية، يقلع إلى خارج الحدود، مستجيرا بأماكن أكثر رقة من فوح ضفاف الصحراء.

يرحل، ولو لبضعة أيام، يشعر فيها أنه قد عبر إلى أرض يتنفس فيها الهواء الرطب دون خوف من لظى اللهيب.

السعودي يعيش أحدث طرق التكيف الصناعي في بيوت معزولة، ومكيفات توهمه بالانتقال لأجواء الربيع، وحينما لا تشبعه الهجرة الداخلية، يمتد حنينه لراحة الجسد الطبيعية، التي تضيق بالأجهزة، وعوامل التكيف.

لكن العالم لم يعد يمنح اختيارات الهجرة المكانية الطقسية كما بالسابق.
فحتى أوروبا، المرتعشة صيفا، أصبحت تعاني من موجات حر واحتضار أرواح على طرقاتها من جفاف غير مسبوق.

الحيوانات مثلنا تضيق وتهاجر بحثا عن بعض السعادة والنشاط والتزاوج، وعن الغذاء، وعن كفوف الراحة.

لكنها في نهاية الأمر تعود، لأن العودة فعل غريزي يرتبط بالهوية وعمق التجذر في الثرى.

إنه الحنين للوطن، لا يشابهه مكان، ولا يقاس بمقاييس المناخ والخطوط العرضية، ولا بعدد الأيام المعتدلة في السنة.

في أماكن قليلة على وجه الأرض، يعتدل الطقس طوال العام.

وهناك، تتنفس الكائنات بلا قلق، وتعيش بلا صراع مع الحدود والطقس.
والطير والإنسان والحيوان يسعون لتكامل حلم الوطن الجغرافي والراحة النفسية والنعيم، لا يرتضون له بديلا دائما.

الوطن هو الحلم الأكبر، وذكريات الطفولة، حتى وإن كانت شموسه غاضبة، ومهما زمجرت رماله، بين نوافذ مغلقة طوال النهار والليل.

لأن الوطن الذي نشأنا فيه لا يعود مجرد جغرافيا، بل جزء من ذاكرة جيناتنا، نغادره بأجنحة التمرد، ونعود إليه بطعم الحنين، مؤكدين لأنفسنا أننا أحياء نستحقه.

shaheralnahari@

أخبار ذات صلة

0 تعليق