نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل ترى زملاءك في العمل على حقيقتهم؟, اليوم السبت 12 يوليو 2025 11:25 مساءً
في كل بيئة عمل، يشكل الموظفون مواقف وصورا ذهنية تجاه بعضهم بعضا؛ منها ما يستند إلى تجارب حقيقية، ومنها ما يتكون بفعل تصورات أولية وانطباعات سريعة ينتجها العقل، وقد لا تخضع للمراجعة أو التمحيص.
علم السلوك التنظيمي يفرق بدقة بين الواقع كما هو، والواقع كما نراه نحن، فالعقل البشري لا ينقل السلوك كما يحدث، بل يعيد تفسيره وفقا لعدد من العمليات الإدراكية، من أبرزها: الإدراك الانتقائي، والتصنيف النمطي، والعزو السببي.
في الإدراك الانتقائي، يميل العقل إلى التركيز على المعلومات التي تؤكد معتقداته المسبقة، ويتجاهل ما يخالفها، فإذا كنت ترى أحد زملائك بأنه غير منضبط، فكل تأخير أو خطأ سيبدو لك تأكيدا على ذلك، بينما قد تمر مواقفه الإيجابية دون أن تحظى باهتمام مماثل.
في حين أن التصنيف النمطي يحدث عندما نحكم على الأشخاص استنادا إلى انتمائهم لفئة معينة كالعمر أو الخلفية الثقافية أو الجنسية، لا إلى سلوكهم الفعلي أو أدائهم الحقيقي، فقد نظن أن زميلا شابا «يفتقر للخبرة» فقط لأنه أصغر سنا، أو أن موظفا وافدا «أقل التزاما» دون النظر إلى جهده أو أدائه، هذه الأحكام ليست مبنية على سوء نية، لكنها نتاج تلقائي لميول العقل إلى التبسيط، وتعبئة المعلومات وفق قوالب جاهزة.
أما العزو السببي، فهو الطريقة التي نفسر بها تصرفات الآخرين، عندما يخطئ أحدهم، فإننا نميل إلى تفسير سلوكه على أنه ناتج عن ضعف في شخصيته، لا عن ضغط أو ظرف مؤقت، في المقابل، حين نقع نحن في الخطأ ذاته، نلتمس لأنفسنا الأعذار، وهذا ما ينتج فجوة غير مرئية في فهم بعضنا بعضا داخل بيئة العمل.
ولأن هذه العمليات الإدراكية لا تعمل في الوعي المباشر، فإن أثرها خفي، لكنه قد يكون عميقا وأحيانا مؤلما، فالموظف قد يساء فهمه، أو يظلَم في تقييمه، فقط لأن الصورة الذهنية عنه لم تتغير، رغم تغير سلوكه، وهنا تصبح بيئة العمل مشحونة بالانطباعات، لا مدفوعة بالحقائق.
لذا، ما ينبغي أن يدركه كل موظف أن هذه العمليات الثلاث - الإدراك الانتقائي، والتصنيف النمطي، والعزو السببي - تعمل داخل كل عقل بشري دون إذن أو وعي، ولا يكاد ينجو من أثرها أحد، وتكمن خطورتها حين تبنى عليها أحكام قاطعة، فنهمش زميلا كفؤا، أو نفضل آخر فقط لأنه يشبه صورتنا الذهنية المسبقة.
أما المؤسسات، فعليها أن تنظم قراراتها على أسس تتجاوز الانطباعات الفردية، من خلال بناء ثقافة تقلل من هيمنة التصورات المسبقة، وتعزز أدوات التقييم العادل، وتدرب القيادات على مهارات «الاستبصار الإدراكي»، مع إرساء مبدأ المراجعة الواعية قبل إصدار الأحكام، لا سيما في البيئات متعددة الثقافات، حيث يكثر التباين في المرجعيات وتزداد قابلية السلوكيات للتأويل الخاطئ.
ختاما، لفهم زملائك في العمل بشكل أدق، أعد قراءة هذا المقال بهدوء، واسترجع في ذهنك آخر المواقف التي جمعتك بهم... فقد ترى الأمور هذه المرة بعين أكثر وعيا، وعدسة أقل تحيزا؛ إذ يتبنى هذا المقال منظورا علميا سلوكيا تنظيميا بحتا، يهدف إلى ترسيخ الإدراك المهني العادل في بيئة العمل.
0 تعليق