التركيبة السكانية والوحدات السكنية الصغيرة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التركيبة السكانية والوحدات السكنية الصغيرة, اليوم الخميس 7 أغسطس 2025 06:01 صباحاً


هذه حقيقة، تغيرت التركيبة السكانية على مستوى العالم، وأصبحت المجتمعات تتجه نحو الفردية أو الأسر الصغيرة المكونة من فردين وطفل أو طفلين، مقابل تراجع ملحوظ في عدد الأسر الكبيرة، وهذا ينعكس بشكل طبيعي وعقلاني واقتصادي على نوع الوحدات السكنية المطلوبة.

هذا التحول يجب أن يفرض واقعا جديدا على سياسات الإسكان، ويستدعي بشكل عاجل إعادة النظر في نوعية الوحدات السكنية، والتنظيمات والتشريعات المنظمة لذلك، بحيث تكون أكثر وعيا وواقعية باحتياجات السوق العقاري المتزايدة والملحة لوحدات سكنية صغيرة أو استوديوهات، بتكلفة اقتصادية مناسبة، لما تتميز به من مزايا تشغيلية، مثل تقليل أعباء التنظيف، وخفض استهلاك الطاقة في التبريد، وتقليص فواتير الكهرباء والمياه والخدمات الأخرى، مقابل تراجع كبير في الطلب على الوحدات السكنية الكبيرة، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها.

وتعزى هذه التحولات إلى عوامل ديموغرافية واقتصادية واجتماعية متداخلة، منها: تأخر سن الزواج، وارتفاع نسب الطلاق، وزيادة مشاركة النساء في سوق العمل، وارتفاع مستويات التحصيل العلمي، بالإضافة إلى التوافد الكبير للمقيمين والكفاءات من جميع أنحاء العالم للعمل، استجابة للقفزات الاقتصادية والتنموية التي تشهدها وتحتاجها المملكة العربية السعودية.

لذا، بات من الضروري أن تستجيب السياسات الإسكانية والقطاع العقاري لهذه المتغيرات، من خلال توفير أنماط سكنية مرنة وصغيرة الحجم، مثل الشقق ذات الغرفة الواحدة أو الغرفتين، والاستوديوهات، بما يتناسب مع طبيعة الأسر الجديدة أو الأفراد من الجنسين واحتياجاتهم الواقعية.

فقد أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء أن متوسط حجم الأسرة السعودية انخفض من 6.4 أفراد في عام 1992م إلى 4.8 أفراد في عام 2022م، ما يعكس تقلص حجم الأسرة الممتدة، وظهور أنماط أسرية يغلب عليها الطابع النووي أو الفردي.

كما بينت دراسة صادرة عن جامعة الملك سعود (2021) أن تفضيل الشقق السكنية الصغيرة يعود إلى مجموعة من العوامل، من أبرزها: سهولة التنظيف والصيانة، وانخفاض تكاليف التبريد، وتقليل فواتير الخدمات، إضافة إلى ملاءمتها لأنماط المعيشة الحديثة، لا سيما بين فئة الشباب والأسر الناشئة.

بشكل مبسط، المشكلة ليست في وجود هذه الوحدات السكنية الصغيرة، بل في طريقة التعامل معها؛ فقد ظهرت هذه الوحدات كحل طبيعي وواقعي لفجوة في سوق الإسكان، خاصة للأفراد والعائلات الصغيرة.

والمفارقة المؤلمة هي أن هذه الحلول التي نشأت نتيجة الحاجة، أصبحت الآن محل نقاش تنظيمي وقانوني. والسؤال هنا: هل الحل هو معاقبة الناس الذين وجدوا حلولا لمشكلاتهم السكنية، أم أن الحل هو تنظيم هذه النماذج بشكل أفضل؟

من غير المنطقي إلقاء اللوم على من استأجر أو أنشأ هذه الوحدات، لأنهم ببساطة كانوا يتجاوبون مع ظروف اقتصادية واجتماعية، وكان هذا الخيار هو الحل الوحيد المتاح لهم، في ظل غياب بدائل سكنية تناسب دخلهم واحتياجاتهم.

من هنا، تبرز أهمية إعادة النظر في سياسات الإسكان وخطط التوسع العمراني، وتقسيم الوحدات السكنية، والتشريعات المنظمة لذلك.

ويمكن القول إن السوق العقاري بات أكثر وعيا ونضجا في قراءة الواقع واستشراف المستقبل، من خلال التوسع في نماذج تقسيم الوحدات السكنية، والتي بدأت تظهر في السوق المحلي بوحدات فاخرة ومتكاملة، تستجيب لحجم الأسرة الفعلي، وتقلص الفجوة بين العرض والطلب بأسعار مناسبة، وتدعم الاستقرار الأسري والاجتماعي، من خلال تقديم نماذج سكنية أكثر مرونة وتنوعا.

وفي السياق ذاته، ومع التوسع في شبكات المترو، وتطور السيارات ذاتية القيادة، وارتفاع تكاليف امتلاك المركبات الخاصة، وما يتبع ذلك من نفقات الوقود والصيانة، ستتراجع الحاجة إلى امتلاك السيارات الخاصة.

إذ تسهم وسائل النقل الجماعي والتقنيات الحديثة في تقليل الازدحام، وتوفير بدائل أكثر كفاءة ومرونة.

وهذا التحول سيؤدي تدريجيا إلى تقلص عدد السيارات في المدن، وتقليل الحاجة إلى المواقف أمام العمائر السكنية، مقابل زيادة الحاجة إلى توفير وحدات سكنية أكثر، تستوعب التحول السكاني المتسارع.

خاتما: إن مواكبة التحولات الديموغرافية لم تعد استجابة ظرفية، بل أصبحت ضرورة استراتيجية تفرضها طبيعة التغير الاجتماعي والاقتصادي، ويجب أن تنعكس بوضوح على تصميم السياسات الإسكانية والتخطيط الحضري، بشكل علمي واستباقي يلبي احتياجات المجتمع المتجددة.

لكن، في انتظار التنظيمات والتشريعات التي تنظم ذلك، مع التأكيد على مرونة استمرار إصدار عقود الإيجار النظامية من منصة «إيجار» والإعلانات المرخصة لكل وحدة سكنية، لكيلا ننزلق إلى مشكلات نظامية أو قانونية أكبر.

3OMRAL3MRI@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق