بيروت - داود رمال
في لحظة يفترض أن تكون مكرسة لتثبيت قواعد الاستقرار عبر اجتماع اللجنة الخماسية «الميكانيزم» لمراقبة تنفيذ اتفاقية وقف الأعمال العدائية في مقر الأمم المتحدة في الناقورة بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، ارتكبت إسرائيل مجزرة جديدة في بنت جبيل، وكأنها أرادت أن تبعث برسالة صريحة بأن مسار الاجتماعات لا يعنيها وأنها لا تعترف بأي التزام يقيد سلوكها العدواني.
وقال مصدر سياسي لبناني رفيع لـ «الأنباء»: «اختيار هذا التوقيت كان متعمدا وعن سابق تصور وتصميم، ويعكس استراتيجية ثابتة لطالما اعتمدتها تل أبيب، تقوم على تحدي المجتمع الدولي وتكريس واقع القوة الميدانية بديلا عن أي اتفاقيات أو قرارات أممية».
وأضاف المصدر: «هذه المجزرة تطرح سؤالا جوهريا عن معنى أي تفاهمات أو التزامات ما دامت إسرائيل تواصل الانتهاكات متى شاءت، سواء في الجو أو البر أو البحر، من دون أن تواجه أي رادع حقيقي. فالسلوك الإسرائيلي يشي بوضوح أن أي رهان على أن نزع السلاح في لبنان يمكن أن يشكل مدخلا إلى الأمن أو نهاية للاعتداءات، هو وهم محض. حتى في حال خلو الساحة اللبنانية من أي قوة عسكرية لبنانية وغير لبنانية، لن تتردد إسرائيل في الاستباحة اليومية للسيادة اللبنانية، لأن جوهر مشروعها يقوم على فرض السيطرة وابتلاع الأرض، لا على احترام الاتفاقيات أو الحدود».
وأوضح المصدر ان «ما يجري في الجنوب اليوم يعيد إلى الأذهان الأساليب ذاتها التي اعتمدتها إسرائيل في مراحل سابقة، إذ أنها ثبتت عمليا منطقة جنوب الليطاني منطقة عازلة بالنار، عبر كثافة الغارات والاستهدافات، لتفرض واقعا جديدا يجعل الشريط الحدودي الممتد على طول 14 بلدة وقرية غير قابل للحياة الطبيعية، وكأنه مقدمة لتحويله إلى منطقة مهجرة لا تسكنها سوى القواعد والمراكز العسكرية التابعة لها. وهذا السلوك العدواني يؤشر إلى محاولة بناء معادلة ميدانية دائمة، تفرغ الأرض من سكانها وتحولها إلى خط تماس جديد يرسم حدودا مفروضة بالقوة».
وحذر المصدر من «خطورة هذا الواقع التي تتجاوز البعد الميداني لتضرب مباشرة في صميم الاستقرار اللبناني، لان استمرار إسرائيل من دون رادع أو إلزام حقيقي بتطبيق اتفاقية وقف الأعمال العدائية ومندرجات القرار 1701 يعني أن النزيف سيبقى قائما، وأن لبنان سيظل عالقا في حلقة استنزاف طويلة المدى، وهذا المسار التاريخي سبق أن عايشه اللبنانيون في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حين قادت الاعتداءات المستمرة إلى إعادة إنتاج المقاومات كخيار دفاعي شعبي وسياسي. وإذا تكررت التجربة، فإن النتيجة ستكون عودة لبنان إلى دوامة مماثلة، ما يجعل أي حديث عن حلول سلمية أو استقرار دائم بلا قيمة فعلية».
ورأى المصدر ان «المجزرة في بنت جبيل بما تشكله من جريمة جديدة تضاف إلى سجل إسرائيل، تمثل أيضا إشارة صريحة إلى أن تل أبيب ما زالت تعتبر نفسها فوق أي التزام، وأن المعادلات التي تسعى لفرضها ليست قابلة للمساومة، وان الرهان على ضبط إسرائيل من دون آليات ردع فعلية أو إرادة دولية صلبة سيبقى رهانا خاسرا، لأن ما تريده إسرائيل لا يقف عند حدود الأمن، بل يتجاوزها إلى تغيير هوية الأرض وإخضاع شعبها لمنطق الإخلاء والتهجير».
0 تعليق